الثلاثاء، 30 أبريل 2013

علم الحيل والساعات


برع المسلمون في صنع الساعات التي تعمل بالماء والرمل والزئبق والشمع أو الأثقال المختلفة، كما اخترعواالساعات الشمسية وأعطوها شكلاً دائريًا يتوسطه محور دائري آخرواستطاعوا عن طريقها تحديد موقعالشمس والزمن ووضع التقاويم السنويةوكانت الساعة الشمسية النقالة أو ساعة الرحلة كما كانوا يسمونها،أكثر اختراعاتهم أصالة في هذا المجالكما اخترعوا نوعًا من الساعات الشمسية المنبِّهة التي كانت تعلن عنالوقت بصوت رنَّان وسُمِّيت الرخامةكما صنعوا نوعًا من الساعات المائية كانت تقذف على رأس كل ساعة منهاكرة معدنية في قدح، وتدور حول محور تظهر فيه النجوم أو رسوم أخرى، وما تلبث أن تبرق كلما جاوزت الساعةالثانية عشرة منتصف الليل وعندها يمر فوقها هلال مضيء. أهدى هارون الرشيد عام 192هـ، 807م إلى الملكشارلمان ساعة نحاسية أدهشته، وكانت تُسقط بعد مضي كل اثنتي عشرة ساعة كرة صغيرة تحدث لدىاصطدامها برقاص معدني إيقاعًا جميلاً، وكان بها 12 حصانًا تقفز من 12 بوابة كلما دارت الساعة دورة كاملة.وأشهر الساعات إلى جانب هذه الساعة كانت ساعة الجامع الأموي، وكانت هذه الساعة تُسقط عند كل ساعة منساعات النهار صنجتين من فمي بازين على طاستين مثقوبتينأما بالليل فتجهز بمصباح يدور به الماء خلفزجاجة داخل الجدار، وكلما انقضت ساعة من ساعات الليل عم الزجاجة ضوء المصباح، ولاحت للأبصار دائرةمتوهجة حمراءومن الساعات الشهيرة أيضًا ساعة مرصد سُرَّ مَنْ رأى، وكانت بها دُمى تظهر في أوقاتومواعيد ثابتة لتؤدي بعض الحركاتوقد اخترع أبو سعيد عبدالرحمن بن يونس المصري (ت 399هـ، 1009م)رقّاص الساعة (البندولثم تبعه كمال الدين الموصلي (ت 639هـ، 1242موأضاف أشياء كثيرة تتعلق بتذبذبالرقاص.
للعرب اختراعات أخرى صمموا بعضها بغرض التسلية، وبعضها الآخر للأغراض العملية، وكانت كلها، تعمل وفقنظام تلقائي أو شبه تلقائيوكانت صناعة اللعب والدُّمى المتحركة منتشرة بكثرة لديهم، وقد أفرد لها ابن الرزازالجزري مؤلفًا سماه الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيلوكذلك ألّف أبوعامر أحمد الأندلسي كتابًاباسم الباهر في عجائب الحيلوقد وصفا فيهما أنواعًا كثيرة من الدُمى التي كانت تصنع من الشمع وخاماتأخرى وكانت تتحرك بنفسها، وضمَّنا كتابيهما عددًا كبيرًا من الرسوم الإيضاحية التي تبيِّن تركيب هذه الدُمىوالآلات وطبيعتها. من أشهر من كتب وعمل في علم الحيل أبناء موسى ابن شاكر الثلاثة، وهم محمد والحسنوأحمد، وكان ذلك في أواسط القرن الثالث الهجريوقد برعوا في الرياضيات والهندسة وعلم النجوم والموسيقىوالحيلبلغ أحمد في صناعة الحيل ما لم يبلغه أخواه، فقد كانت لديه مخيلة مبدعة قدّمت كثيرًا من المخترعاتالعملية للتدبير المنزلي، والألعاب الميكانيكية المدهشة للأطفال والأثقال وغيرهامن الآلات التي صنعها، دِنان تنزلمنها كمية معلومة من السوائل، تعقب كل كمية منها فترة استراحة قصيرة، وآلات تمتلئ بالسوائل ثم تفرغهاتلقائيًا، وقناديل ترتفع فيها الفتائل تلقائيًا ويصب فيها الزيت ذاتيًا أيضًا، ولا تنطفئ بفعل الهواءكما اخترع آلةتحدث صوتًا بصورة ذاتية عند ارتفاع المياه إلى حد معين في الحقول عند سقيها، كما ابتكر عددًا من النافوراتالتي كانت تظهر صورًا متعددة بالمياه الصاعدة منهاومن أعماله أيضًا خزانات للحمامات، والمعالف التي لاتستطيع الأكل أو الشرب منها سوى حيوانات صغيرة الحجم، ونافورات تندفع مياهها الفوارة على أشكال مختلفة.ومن إنجازاته بالمشاركة مع أخيه محمد في مرصد سُرَّ مَنْ رأى، آلة دائرية الشكل تحوي صور النجوم ورموزالحيوانات في وسطها وتدار بالقوة المائية، وكلما غاب نجم عن القبة السماوية ظهرت صورته في الخط الأفقي منالآلةومن الواضح أن هذا العمل يتطلب دراية واسعة بعلم الفلك إلى جانب علم الحيلوكان من الطبيعي أنيستفيد علم الفلك من الآلات التي يخترعها أو يطورها العلماء المشتغلون بعلم الحيلفقد طوّر العلماء المسلمونعلى سبيل المثال؛ البوصلة التي اخترعها الصينيونوكان الصينيون يستخدمونها في أمور غير ذات صلة بالعلمكالسحر والخرافات، فأخذها المسلمون وجعلوا لها بيتًا استفادوا منه في الملاحة وأطلقوا عليه بيت الإبرةكماكانت لديهم آلات للتطويع وتقطيع الحلقات، فقد استعمل نصير الدين الطوسي (ت 672هـ، 1273مفي مرصدهفي مراغة المحلّقة ذات الحلقات الخمس والدوائر من النحاسكما اكتشفوا طريقة خاصة صنعوا بها الحلقة ذاتالقطر البالغ خمسة أمتار، وزادوا بذلك ثلاث حلقات على المحلقات الفلكية الموجودة؛ مما مكنهم من إجراء قياساتفلكية أخرى، ثم أضافوا مسطرة قياس الزوايا المعروفة باسم الأداد، وهي مسطرة تدور حول نقطة في طرفهاوينتقل طرفها الآخر على دائرة ذات أقسام متساويةوتوصل عباس بن فرناس (ت 260هـ، 873مإلى صنعالزجاج من الرمال والحجارة، واخترع عددًا من الآلات الفلكية الدقيقة مثل الأداة المسماة ذات الحلق؛ وهي آلةتتكون من عدة حلقات متداخلة تعلق في وسطها كرة تمثل حركة الكواكب السيارةكما اخترع آلة لقياس الزمنأطلق عليها اسم الميقاتة، إلا أن أشهر محاولاته في علم الحيل هي تلك المحاولة التي لقي فيها حتفه؛ فقد احتاللتطيير جسمه فمد لنفسه جناحين، ثم صعد إلى مكان عال أمام جمع غفير من أهالي قرطبة، واندفع في الهواءطائرًا دون أن يجعل لنفسه ذنبًا يحميه في هبوطه ويعطي لمقدم جسمه ومؤخرته نوعًا من التوازن، وحلّق مسافةليست بالقصيرة ثم سقط على مؤخرته وماتولعله أول إنسان حاول الطيران في العالم.
العلماء العرب ألَّفوا في الميكانيكا (علم الحيلوزودوا كتبهم بالرسوم الإيضاحيةوهذا نموذج من كتاب الجامعلابن الرزاز الجزري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق