رفض ابن الهيثم (ت 429هـ، 1038م) التسليم بكثير من آراء السابقين له في الضوء والبصريات مثل أقليدسوبطليموس. وعلى الرغم من أن أقليدس قد سبقه في تناول أحد شطري قانون الانعكاس، كما سبقه بطليموس إلىدراسة الانعطاف، إلا أن ابن الهيثم عُني بعلم المناظر عناية بزّ بها من قبله، ومهّد الطريق لمن بعده؛ فلم تتحققالقياسات الموضوعية لزوايا السقوط والانكسار إلا عام 988هـ، 1580م على يد تيخو براهي وكاسيني عام1072هـ، 1661م وحققا ذلك على النمط الذي خططه ابن الهيثم. ويعد ابن الهيثم من أعظم علماء عصره قاطبة فيجميع فروع المعرفة وبخاصة الفيزياء، ويعد العالم الذي أسس علم البصريات وأقام دعامته. وقد نال شهرة كبيرةبكتابه المناظر الذي يحتوي على اكتشافات جديدة في الفيزياء ودراسات عميقة في انكسار الضوء وانعكاسه.وكان السابقون له في علم البصريات يؤمنون أن الإبصار يتم بخروج شعاع من البصر إلى المبصر. لا يعني هذاأن ابن الهيثم رفض كل ما جاء به من سبقه، فهو يقبل منهم تعريف الضوء الذي يقول إنه "حرارة نارية تنبعث منالأجسام المضيئة بذاتها كالشمس والنار". والضوء في رأيه نوعان عرضي يصدر من الأجسام المضيئة بغيرها؛أي التي تعكس الضوء كالقمر والمرآة، والأجسام الأخرى التي في مقدورها أن تعكس الضوء. والثاني ذاتييصدر عن الأجسام المضيئة من نفسها؛ كالشمس والنار والجسم المتوهج. وتناول كيفية امتداد الأضواءوانعكاسها وانعطافها، كما استقرأ الأحكام المتعلقة بذلك، وكان يدلل على صدق آرائه بالبرهان الهندسي.
يرى ابن الهيثم أن الضوء شيء ماديّ؛ لذا فهو يرتد (ينعكس) إذا وقع على الأجسام الصَّقيلة "فالضوء إذا لقيجسمًا صقيلاً فهو ينعكس عنه من أجل أنه متحرك، ومن أجل أن الجسم الصقيل يمانعه، ويكون رجوعه في غايةالقوة، لأن حركته في غاية القوة، ولأن الجسم الصقيل يمانعه ممانعة فعالة". وكان يقوم بالتجريب لإثباتفرضياته، فقد قام من أجل إثبات قانون الانعكاس بشطريه بأخذ كرات من الحديد وأسقطها من ارتفاعات مختلفةليقف على مقدار ارتدادها، ويثبت أن زاوية السقوط تساوي زاوية الانعكاس. هذه التجارب التي أطلق عليها ابنالهيثم اسم الاعتبار تكشف عن رؤية من قبيل نظرية الجسيمات في الضوء التي جاء بها نيوتن في القرن السابععشر الميلادي. فالضوء يتركب من دقائق متناهية الصغر، وعندما تنتشر إما أن تنعكس عن الأجسام الصقيلة أوتنكسر في الأجسام المشفة. وعندما تحدّث ابن الهيثم عن انعطاف الضوء وهو ما نسميه حاليًا انكسار الضوء،رأى أن ذلك لا يتم آنياً؛ أي أن انتقاله في الوسط المشف لا يكون دفعة واحدة وفي غير زمان، بل إنه يستغرق زمنًامعينًا محدودًا بسرعة معينة، وأن سرعته في المشف الألطف أعظم من سرعته في المشف الأغلظ، و "إذا كانالثقب مستترًا، ثم رفع الساتر فوصول الضوء من الثقب المقابل، ليس يكون إلا في زمان، وإن كان خفيًا علىالعين". وهذا ما نعلمه اليوم. عارض ديكارت (ت. 1062هـ،1650م) هذه النظرية بعد 500 عام من وفاة ابن الهيثمحيث قال "إن مادة الهواء ممتدة من الثقب حتى السطح المقابل له حيث يرى الضوء منعكسًا مثل عصا الأعمى إذالمس شيء مقدمتها أحس به الأعمى في الطرف الذي في يده فورًا دون زمان". وأخذ كثير من العلماء برأيديكارت حتى منتصف القرن التاسع عشر عندما أثبتت التجارب أن للضوء سرعة مقدارها 300,000كم فيالثانية.كما وجد ابن الهيثم أن هناك خصائص حيلية (ميكانيكية) في انعكاس الضوء وانكساره؛ فقد لاحظ أن بينامتداد الضوء وانطلاق الجسم المادي في الهواء شبهًا، إلا أن في الجسم المنطلق قوة تحركه إلى أسفل. ومنخصائص الضوء، أنه يستمر في امتداده على السّمت (الاتجاه المستقيم) الذي بدأ به حتى يعترضه ممانع(مقاوم)، فيتبدل حينئذ سيره من حيث الاتجاه والمقدار (الزيادة والنقص في سرعته). كما توصل ابن الهيثم إلىالنسبة التي يكون بها التبدل في اتجاه الضوء وسرعته. ومن إنجازاته في علم الضوء توصله من خلال النظريةالتي أطلق عليها اسم تكوين الظل عن طريق أجسام نورانية إلى الحصول على صورة لجسم ما، عند ولوج الضوءالوارد منه خلال ثقب ضيق إلى مكان مظلم ليقع على حاجز أبيض، على ألا يكون الثقب صغيرًا جدًا فيضعفضوء الصورة فتختفي عن الحس، ولا يكون واسعًا فيقل شبهها بالجسم الأصل، ولا يصبح واضحًا. وقام بأولتجربة بجهاز به ثقب يشبه آلة التصوير. وعندما بلغ هذه النتيجة لم يكد يصدق عينيه عندما شاهد العالم وقد أصبحأسفله أعلاه، فقد كان وضع الصورة وضعًا عكسيًا. وكثير من الأبحاث الخاصة بالبصريات منذ روجر بيكونوفيتليو وليوناردو دافينشي، اعتمد على الأساس البحثي الذي خلّفه ابن الهيثم؛ ففي ألمانيا عندما بحث كبلر فيالقرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي في القوانين التي اعتمد عليها جاليليو في صنع منظاره، أدرك أنخلف عمله هذا كانت تقف أبحاث ابن الهيثم. وهناك مسألة مشهورة معقدة، نشأت في علم البصريات، حلها ابنالهيثم بمعادلة من الدرجة الرابعة تعرف اليوم باسم مسألة الحسن. ومن أعماله التطبيقية في البصريات أنه حسبالانعكاس الذي يحدث في قطاع المرآة الكروية أو المخروطية؛ أي الإشعاعات المتوازية التي تلتقي في نقطةالاحتراق، وفحص أثر الحرق وتكبير المرئيات ليس بوساطة المرآة المقعَّرة فحسب، بل بوساطة الزجاج الحارقوالعدسة وبذلك كان من ثمرة جهده صنع أول نظارة للقراءة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق