الثلاثاء، 30 أبريل 2013

الجاذبية والمغنطيس


بذل الإنسان منذ العصور الأولى جهدًا كبيرًا لكي يقف على ظاهرة الجاذبية الطبيعية، فقد كانت أمرًا يلاحظهولكن لا يملك له تفسيرًاوقد كانت لأرسطو طاليس (384 ـ 322 ق.مأفكار ونظريات في الجاذبية سيطرت علىالتفكير العلمي السائد آنذاك، وكانت هذ الأفكار والنظريات من بين جملة الأسباب التي دفعت بعض العلماءالمسلمين إلى دراسة هذا الموضوع ضمن موضوعات أخرى أكبر. لعل أول من اهتم بعلم الجاذبية من المسلمين هوابن الحائك (334هـ، 946م)، وهو يقرر في أحد مصنفاته بأن ¸… النار إلى فوق والهواء متموج يمنة ويسرة علىوجه الأرض، والماء يتحرك ويسير سفلاً، والأرض واقفة راكدة لذا كانت أكثر من الثلاثة قبولاً، وكان تأثير الأجرامالعلوية والعناصر السماوية فيها أكثر، وكانت على ما فاتها من الأجسام أغلب وأشد جذبًا من الهواء والماء من كلجهاتهافهي بمنزلة حجر المغنطيس الذي تجذب قواه الحديد إلى كل جانب· هناك علماء آخرون أشاروا إلىظاهرة الجاذبية؛ فثابت ابن قرّة ـ مثلاً ـ اكتشف أن الأجسام ذات الوزن النوعي الأثقل من وزن الهواء النوعيتنجذب من فوق إلى تحت؛ فالمدرة (الطين اليابستعود إلى أسفل لأن بينها وبين كلية الأرض مشابهة من حيثالبرودة والكثافة والشيء ينجذب إلى ما هو أعظم منهوشرح ذلك محمد بن عمر الرازي في أواخر القرن السادسالهجري بأننا "إذا رمينا المدرة إلى فوق، فإنها ترجع إلى أسفل، ومن ذلك نعلم أن فيها قوة تقتضي الهبوط إلىأسفل؛ لذا إذا رميناها إلى فوق أعادتها تلك القوة إلى أسفل". كما نجد أن ابن سينا قد ربط بين قوة اندفاعالجسم والسبب الذي أثار حركته. تناول البيروني قوى الجاذبية في كتابه القانون المسعودي، فعنده "أن السماءتجذب الأرض من كل الأنحاء على السواء، إلا أن جذبها لكتلة الأرض أشد من جذبها للأجزاء الأخرى خاصة إذالم تكن هذه الأجزاء متصلة بالأرض أو كانت بعيدة عنها، فحينئذ لا تتمكن السماء من جذبها إليها لأنها تكونخاضعة لمجال جذب الأرض لها"؛ وبذلك يشير إلى نوعين من الجاذبية هماجاذبية السماء للأرض، وجاذبيةالأرض لما فوقها وحولها؛ فالشيء ينجذب إلى النطاق الذي يقع في مجاله وإن كان هو ونطاقه منجذبيْن بدورهماإلى جرم السماءوالبشر بحكم وجودهم على سطح الأرض فهم منجذبون إليها، وهي بدورها منجذبة إلى السماء،ويبلغ ذلك الجذب أقصاه في باطن الأرض من حيث تنطلق الجاذبية الأرضية و¸الناس على الأرض منتصبوالقامات على استقامة أقطار الكرة، وعليها أيضًا تزول الأثقال إلى السفل…·، ويعترض على القائلين بعدم دورانالأرض لأنها إذا دارت طارت من فوق سطحها الحجارة والأشجار، ويقول في هذا الصدد ¸إن هذا لا يقع لأنه لابدلنا من أن ندخل في الحساب أن الأرض تجذب كل ما عليها نحو مركزها·.
أدلى الخازن بدلوه في ظاهرة الجاذبية وخواص الجذب، تمامًا كما فعل في بحثه عن ظاهرة الضغط الجوي التيتحدث فيها قبل إيفانجليستا توريشلي بخمسة قرونفقد أكد في كتابه ميزان الحكمة على العلاقة بين سرعةالجسم والمسافة التي يقطعها والزمن الذي يستغرقهوقال إن الثقل هو القوة التي بها يتحرك الجسم الثقيل إلىمركز الأرض، وأن الجسم الثقيل هو الذي يتحرك بقوة ذاتية أبدًا إلى مركز الأرض فقطوأنه إذا تحرك جسم ثقيلفي أجسام رطبة فإن حركته فيها تكون وفق رطوباتها؛ فتكون حركته في الجسم الأرطب أسرعوإذا تحرك فيالجسم الرطب جسمان متساويان في الحجم متشابهان في الشكل مختلفان في الكثافة، فإن حركة الجسم الأكثركثافة فيه تكون أسرعكما أن الأجسام الثقال قد تتساوى أثقالها، وإن كانت مختلفة في القوة والشكل؛ فالأجسامالمتساوية الثقل هي التي إذا تحركت في جسم واحد من الأجسام الرطبة من نقطة واحدة، كانت حركتها متساوية؛أي أنها تقطع في أزمنة متساوية مسافات متساويةوالأجسام المختلفة الثقل هي التي إذا تحركت على هذهالصفة كانت حركاتها مختلفة.
قام الشريف الإدريسي (ت560هـ، 1165مبالتصنيف والعمل في مختلف فروع المعرفة، وقد تناول ظاهرةالجاذبية في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاقففي معرض حديثه عن كروية الأرض يقول ¸إن الأرض مدورةكتدوير الكرة، والماء لاصق بها وراكد عليها ركودًا طبيعيّاً لا يفارقها، والأرض والماء مستقران في جوف الفلككالمح (الصفارفي جوف البيضةووضعهما وضع متوسط، والنسيم محيط بهما من جميع جهاتهما، وهو جاذبلهما إلى جهة الفلك، أو دافع لهماوالله أعلم بحقيقة ذلك، والأرض مستقرة في جوف الفلك وذلك لشدة سرعةحركة الفلك، وجميع المخلوقات على ظهرها، والنسيم جاذب لما في أبدانهم من الخفة، والأرض جاذبة لما فيأبدانهم من الثقل، بمنزلة حجر المغنطيس الذي يجذب الحديد إليه·.

هناك علماء آخرون غير ابن الحائك والبيروني والخازن تناولوا ظاهرة الجاذبيةمن هؤلاء ابن خرداذبة ومحمد بنعمر الرازي، والبوزجاني، وهبة الله بن ملكا البغدادي المعروف باسم أوحد الزمان، الذي يقول في كتابه المعتبر فيالحكمة أن الجسم يسقط حرًا تحت تأثير قوة جذب الأرض متخذًا في ذلك أقصر الطرق في سعيه للوصول إلىموضعه الطبيعي، وهو الخط المستقيم، ¸فلو تحركت الأجسام في الخلاء لتساوت حركة الثقيل والخفيف والكبيروالصغير والمخروط المتحرك على رأسه الحاد، والمخروط المتحرك على قاعدته الواسعة في السرعة والبطء، لأنهاتختلف في الملاء بهذه الأشياء بسهولة خرقها لما تخرقه من المقاوم المخزون كالماء والهواء وغيره·.
كانت هذه الأبحاث المتناثرة للعلماء المسلمين، اللبنة الأولى لعلم الجاذبية التي بنى عليها كل من كوبر نيكوس(878-950هـ، 1473- 1543مويوهان كبلر (979-1040هـ، 1571 -1630منظرياتهما واستقيا من العلماءالعرب والمسلمين علومهما كما اعترفا هما بذلككما استفاد من هذه اللبنات أيضًا كل من جاليليو (972 ـ1052هـ، 1564 ـ 1642موإسحق نيوتن (1052 ـ 1140هـ، 1642 ـ 1727ملوضع القوانين القائمة على أسسرياضية لتحديد قوة الجاذبية.
أما المغنطيس فقد كان الإغريق أول من اكتشف فيه خاصية الجذب، وكان ذلك قبل ما يزيد على 2000 سنةفقدكانوا يجلبون نوعًا من الحجر من منطقة تسمى مغنسيا له قدرة على الجذب، وكان أهلها يسمون المغنطيِّين؛ ومنثم أطلقت كلمة مغنطيس على هذا الحجروعرف العرب والمسلمون المغنطيس والمغنطيسيةوقد استفادوا منخاصتين أساسيتين هما الجذب وإشارته إلى الاتجاه واستخدموا ذلك في أسفارهم البحريةويقول البيروني إنحجر المغنطيس كالكهرمان له خاصية الجذب، لكنه أكثر منه فائدة لأنه يستطيع أن ينتزع شفرة من الجرح، أوطرف المشرط من أحد العروق، أو خاتمًا معدنيًا ابتلعه الإنسان واستقر في بطنهويقال إن العرب استخدموا فيهياكل سفنهم التي تعبر الخليج العربي ألياف النخل التي يتم إدخالها في ثقوب بالألواح الخشبية، بينمااستخدموا المسامير الحديدية للسفن التي كانت تبحر في البحر الأبيض المتوسطويعود السبب في ذلك إلىوجود صخور مغنطيسية خفية يمكن أن تُعرِّض السفن التي يستخدم فيها الحديد إلى الخطر.

هناك تعليق واحد:

  1. How to play a slot machine online | Lucky Club
    There is a number of ways to play online slots for fun, which include free spins, bonus rounds, jackpots and free spins. luckyclub.live Read more in the article for how to

    ردحذف